pub

Nombre total de pages vues

94412

dimanche 17 mars 2019

الخبير في التربية الدكتور محمد الدريج يكتب عن أزمة توظيف المدرسين بالتعاقد


أزمة توظيف المدرسين بالتعاقد :
 تجارب مغيبة و دروس منسية 

د. محمد الدريج
أستاذ باحث في علوم التربية
1- تقديم:
لعل أهم درس يمكن أن نستفيده من علم النفس المهني والهادف إلى زيادة الكفاية الانتاجية و زيادة توافق العمال/الموظفين فى عملهم، يتمثل في تحقيق الاستقرار النفسي في العمل و الرفع من زيادة الثقة والرضى (الاشباع النفسي) المادي و اللامادي  فى مجال العمل والمهن.
وقد لاحظنا مؤخرا إدراكا لمثل هذه الأهداف لدى بعض المسؤولين  عموما ،على الأقل من خلال تصريحاتهم، فقد أوضح على سبيل المثال رئيس الحكومة المغربية أمام نواب البرلمان، خلال جوابه عن تساؤلاتهم حول "الوضعية الاقتصادية والمالية"، أن "جزءاً كبيراً من الاقتصاد مبني على الثقة والجانب النفسي، كما عبر الدكتور العثماني في العديد من المناسبات عن رغبته في "أن تكون الوضعية في التعليم مستقرة، وفيها استقرار مهني وأمن وظيفي ".( عن هسبريس، 24 يونيو 2018)
أنطلق من هذه المقولات لأذكر أن رئيس الحكومة الدكتور النفساني سعد الدين العثماني، محق فيها ، وأضيف بأن هذه المقولات رغم طابعها الإنشائي ، تنطبق بالأحرى على العمل في مجال التعليم ،لأنه مبني بالأساس على الثقة، الثقة في النفس أولا والثقة بعد ذلك بين جميع الأطراف المتدخلة في العملية التعليمية: المؤسسة بتشريعاتها ومناهجها ، الادارة ،المدرسون، التلاميذ وأسرهم...  كما ينبني التعليم والتربية عموما ،على الجانب النفساني والذي لابد أن يرتكز بالأساس على الاتزان والشعور بالطمأنينة والسلام الروحي و على الاستقرار في العمل والأمن الوظيفي (الاستقرار الاجتماعي) ،و بدونها لا يمكن للتعليم أن يخرج من أزمته وتنصلح أحواله. لكن السؤال الذي يطرح هنا والآن، هو : هل يسمح نظام التعاقد في استقطاب المدرسين بالشكل الذي أريد تطبيقه به ، في منظومة التعليم ببلادنا، هل يسمح بالثقة و يوفر الاستقرار الاجتماعي والاطمئنان النفسي الضروريان للنجاح ؟ وهل يستفيد المسؤولون من دروس علم النفس وعلم الاجتماع... ومن تجارب بعض الدول ، وهم يفكرون في إحداث نظام التعاقد في تشغيل المدرسين وفي تنزيله ؟ نجيب فورا دون كثير انتظار، بالنفي.
وقبل تقديم مبررات هذه الاجابة النافية ، سنستعرض على سبيل الاستئناس والمقارنة ،بعض النماذج والتجارب العالمية التي لجأت إلى نظام التعاقد، المعروف والمعمول به منذ القدم، لتوظيف أطر التعليم، والنتائج التي تحققت او لم تتحقق ،من تطبيقه.
للتذكير فإن برنامج التعاقد لتوظيف المدرسين ليس أمرا جديدا وخاصا ، بل شهدت العديد من الدول تجارب التوظيف في التعليم بالتعاقد، من مثل فرنسا وإسبانيا وإنجلترا والسويد وغيرها كثير كما سنرى لاحقا .وإذا كان هذا النظام يعرف نوعا من الوضوح والثبات ويطبق بالكثير من العقلانية والشفافية في مثل هذه الدول المتقدمة، وفي سياق من الديموقراطية والصرامة في احترام وتطبيق القوانين و عقلية وثقافة تقبل بروح من الوطنية والمسؤولية ، النقد والتقويم والرقابة والاستفادة من تراكم التجارب الناجحة...الامر الذي ينشر مناخا من الاستقرار والثقة والاطمئنان النفسي والاحساس بقدر من المساواة أمام القانون وبالتالي الانخراط في العمل المنتج و تجويد الاداء (الضمير المهني) كعنصر أساسي للتطوير و النمو . فإن الامر ليس كذلك في معظم الدول النامية التي لجأت لتوظيف المدرسين بنظام التعاقد، نظرا لطبيعة أنظمة الحكم فيها و هشاشة التجربة الديموقراطية أو غيابها أصلا و ضعف الحكامة في تدبير الشأن العام وفي تطبيق القوانين والضبط والمراقبة وربط المسؤولية بالمحاسبة ، ونظرا لتفشي ظواهر الرشوة والمحسوبية...و نظرا للتفاوتات الاجتماعية المهولة وانتشار الفقر والتهميش واستفحال البطالة وخاصة بطالة حاملي الشهادات...الامر الذي كان وسيكون باستمرار ،وراء فشل نظام التعاقد في توظيف المدرسين في الكثير من تلك الدول النامية و في نتائجه السلبية، كما سنرى في الفقرات اللاحقة.
وعموما يخضع استقطاب العاملين في التربية والتعليم في جل بلدان العالم المتقدم منه والمتخلف ، لنظامين أساسيين: يسمى الأول: نظام التوظيف والترسيم الذي يقضي بالتشغيل على سبيل الدوام والاستمرار(أستاذ رسمي)؛ بدءا بالتكوين ومرورا بالتدريب والترسيم، وانتهاء بالتقاعد. أما الثاني، فيسمى نظام التشغيل (أستاذ متعاقد)الذي يقضى بالتشغيل المؤقت ، عن طريق التعاقد لمدة زمنية محددة لا ينتهي بالضرورة بالتوظيف والترسيم في أسلاك الوظيفة العمومية.وسنقدم فيما يلي نماذج وتجارب عالمية آملين في ان تستفيد الجهات المسؤولة منها .
2- نموذج من الدول الاوربية : الدرس الفرنسي :
في فرنسا توظف وزارة التربية الوطنية كل سنة، حوالي 30.000 مدرس غير رسمي لملء الشواغر (الخصاص) أو إجراء بدائل(التعويض و الاستخلاف)، بنظام التعاقد، (والذين كانوا يسمون حتى عام 2016 ،بالمؤقتين vacataires)، واصبحوا يمثلون نسبة متزايدة من المعلمين ، تصل إلى 7.6 ٪ من القوى العاملة في المدارس الاعدادية و 11.7 ٪ في المدارس الثانوية المهنية.
هذا وإذا كان الطريق المعتاد للتوظيف في التعليم الفرنسي في مختلف مستوياته ،هو اجتياز بنجاح امتحانات ومباريات  CAPES CAFEPو CRPE وغيرها، فقد اصبح توظيف المعلمين الذين يعملون بنظام التعاقد لا غنى عنه ،خاصة كلما ظهر نقص او خصاص لا تملأه نتائج تلك المباريات والتكوينات والشهادات . وعلى سبيل المثال، فقد أظهر النقص و الحاجة سنة 2017 إلى أكثر من 18٪ من الخصاص ،فتم اللجوء إلى التعاقد مع العرضيين (المؤقتين) لشغل الوظائف الشاغرة، لأن التعليم كان وقتها في أزمة التوظيف العادي والذي يتم من خلال المباريات.
كما أصبح يستخدم في التعليم العام الفرنسي، مصطلح "الاطار التعاقدي" de contractuel statut " لاستبدال مصطلح العرضي أو المؤقت بعد التعديل الذي أحدثه المرسوم رقم 2016-11-31 ،المؤرخ ب 29 أغسطس 2016، بشأن وضع موظفي العقود المعينين لأداء وظائف التعليم والتوجيه والإرشاد في المدارس والمدارس الثانوية العامة، والتي يتم شغلها وفق التشريعات الموضوعة بشفافية وفي إطار من التشارك.
ويتم وفق هذا القانون ،تعيين "مدرس التعاقد" بواسطة عقود محددة لمدة سنة واحدة أو أقل ، بطريقة متجددة ، بدوام كامل أو جزئي. ويتم تجديد العقد  لمدة الحاجة المراد تغطيتها، فإذا كان يمتد على مدار سنة دراسية ، سيشمل العقد جميع العطلات المدرسية والتوقيفات عشية السنة الدراسية التالية (القادمة).
وبعد ست سنوات ، يواجه  المدرس المتعاقد بإمكانيتين: إما أن يعرض عليه عقد دائم ويرسم بناء عليه أو يتوقف عن ممارسة التدريس في التعليم العمومي.
بالنسبة لراتب المدرس المتعاقد ،يكون أقل من راتب شاغل الوظيفة الرسمي، ويقدر حسب مؤهلاته، لكنه لا يقل عن  1500 يورو(حوالي 15 ألف درهم) شهريا، وقد يصل بعد  سنوات من الخبرة وحسب سلك العمل إلى أكثر من 2000 يورو. ويمكن حصوله على مكافآت مماثلة لتلك التي يتلقاها المعلمون المتفرغون ، وتتم إعادة تقييم المكافآت كل ثلاث سنوات على الأقل.
وكما أسلفنا ،فقد تم سنة 2016،  إلغاء وضعية ملء الشغور أو ملء الخصاص أو المؤقتة أو المنتدب vacataire ، التي كانت موجودًة في التعليم العام ، والتي كانت تتطابق مع نظام الوضع المؤقت temporaire في القطاع الخاص. حيث كان يعين المعلم من طرف مدرس رئيسي للقيام بمهام التدريس "لمرة واحدة" ، على سبيل المثال في حالة استبدال المعلم في إجازة مرضية. لذلك كان من المحتمل أن يعمل المعلم المؤقت في العديد من المؤسسات خلال العام في وقت واحد. وكان يتقاضى في العمل بالمدرسة الثانوية بالساعة (34.30 يورو / ساعة) بحد أقصى 200 ساعة في السنة ، دون ضمان تجديد عقده. (عن 22 Janvier 2019 https://vocationenseignant.fr/ /).
3-دروس آسيوية :الهند وكامبوديا:
من الدول الآسيوية التي لجأت إلى نظام التعاقد لتوظيف المدرسين نجد الهند وكمبوديا وغيرها كثير. فقد شرعت
كمبوديا على سبيل المثال، ابتداء من سنة 1996 في توظيف الأساتذة بالتعاقد، وكان هدف هذا البرنامج مواجهة النقص الحاد في عدد الأساتذة، خاصة في المناطق النائية. ووصل عدد المتعاقدين على إثر قرارها هذا، بحلول سنة 2001 نسبة 9% من مجموع الأساتذة في البلد بأكمله، وكان العدد بالتحديد 4.214 أستاذا. وكانت العقدة التي تجمع الأستاذ الكمبودي بوزارة التربية تغطي سنة واحدة، والتي منحت المتعاقدين بموجبها نفس الأجر الذي كان يتقاضاه الأستاذ النظامي، لكنهم حرموا من امتيازات ظلت حصرا على الأساتذة النظاميين.
غير أن كامبوديا قامت بعد سنوات من تجريب التعاقد، بوقف البرنامج الذي طرح العديد من المشاكل وشرعت في تقوية برامج تكوين الأساتذة، وبرمجة إعادة انتشارهم على الصعيد الوطني .
ولجأت الهند بدورها بدءا من أواخر التسعينات، إلى برنامج التوظيف بالتعاقد، مستهدفة خمسة أهداف رئيسة وهي:
1-  مواجهة الخصاص في قطاع التعليم:
2-مواجهة تغيب الأساتذة المستمر عن العمل.
    3-الحد من نسب الاكتظاظ داخل فصول الدراسة مقارنة مع عدد الأساتذة الممارسين.
    4- توفير عدد كاف من المدرسين لمؤسسات تعليمية تقع في مناطق نائية وصعبة جغرافيا.
    5- فتح باب التمدرس في وجه فئات مهمشة من المجتمع.
فاستطاعت الهند التوفر على عدد كبير من الأساتذة المتعاقدين، إلا أن أجرتهم كانت تقل بكثير عن الأساتذة النظاميين، فبينما يتقاضى الأستاذ النظامي 5.000 روبية شهريا، فإن أجرة نظيره المتعاقد لا تتعدى 1.000 روبية في الشهر والذي كان مستواه التعليمي جد متدن مقارنة بنظيره النظامي، كما أن قوانين الترسيم في الوظيفة تركت الباب مفتوحا لهذا المتعاقد في حال استكماله لتعليمه وتدريبه واجتيازه للمباريات المقررة من قبل وزارة التعليم، بالترقي الوظيفي.
وعن ، دراسة لليونسكو تحت عنوان :"الدروس المستفادة من توظيف المدرسين المتعاقدين" Lessons Learnt in the Use of Contract Teacher. ،إعداد الباحثة الخبيرة التربوية ييل دوتيلو Yael Duthilleu.  وهي من أهم المراجع الشاملة لموضوع التعاقد في التعليم و التي اعتمدها عبد الباسط منادي إدريسي في دراسته المقارنة القيمة و نشرها في جزئين تحت عنوان :" الأستاذ المتعاقد: تجارب دولية" (بأنوال بريس، 5  يونيو  2018https://anwalpress.com/ )حيث عمل على استعراض وتحليل تجارب من دول مختلفة من بينها الهند وكمبوديا ونيكاراغوا والسينغال وغيرها، من ضمن الدول التي لجأت إلى التوظيف بالتعاقد في قطاع التعليم العمومي(UNESCO and IIEP. Paris: UNESCO. 2005 )
وحسب دراسة اليونيسكو هذه ، والصادرة سنة 2005، فإن مآل البرنامج الهندي لم يختلف كثيرا عن نظيره الكمبودي، حيث أوردت نتائج دراسات ميدانية حول مآل التعليم بالتعاقد في الهند، خلصت إلى أن نتائجه "ضعيفة وغير مرضية" ، كما أنها لا ترقى إلى معايير الجودة المطلوبة وطنيا، ناهيك عن معايير الجودة الدولية. وأفادت دراسة عينة من المدارس التي يعمل بها المتعاقدون في الهند ،بأنه غالبا ما يُفرضُ عليهم العمل كبوابين للمدارس حيث يعملون، ويكلفون كذلك بتنظيف مرافق المدرسة والعناية بها، كما يفرض عليهم أداء مهام إدارية وتربوية ليس من اختصاصهم.


4- نماذج إفريقية :
من بين الدول الافريقية كانت السنغال الأولى التي قررت وفرضت نظام التوظيف في التعليم بالتعاقد ابتداء من سنة 1995. وجاء هذا القرار كمحاولة لمواجهة ضعف موارد الدولة التي أصبحت غير قادرة على توفير مناصب تعليمية كافية لاستيعاب نسب تسجيل التلاميذ الجدد المرتفعة، وغير قادرة كذلك على توفير البنيات التحتية التربوية اللازمة لهذا الغرض. فمن أصل 2.000 منصب سنوي كانت السنغال في حاجة إليهم بشكل سنوي آنذاك، لم تستطع الدولة توفير سوى 250 منصبا سنويا، وقد أدى هذا إلى انخفاض نسب التسجيل في المدارس مما جعل الدولة تنهج سياسة التوظيف بالتعاقد ، كإجراء تقشفي يزيح ثقل التكوين المادي السليم للأستاذ، وتفاديا كذلك  لتكاليف التكوين وتكاليف الأجرة الشهرية لمناصب الشغل الجديدة المرتفعة نسبيا بالنسبة للأساتذة النظاميين.
ويمكن أن نستخلص مع منادي إدريسي وانطلاقا من نتائج دراسة اليونسكو السالفة الذكر،" بأن برامج التوظيف بالتعاقد في التعليم في دول العالم الثالث ليست أمرا محمود العواقب. فالتجارب أعلاه تُظهر بما لا يدع مجالا للشك ، بأنها قرارات لا تراعي السياق و المتمثل في طبيعة هذه الدول، التي تعاني من تفاوتات اجتماعية مهولة أو تفتقر إلى المؤسسات الديمقراطية المكلفة بالتشريع وبالمراقبة والحكامة. فبدءا بمباريات دخول المهنة التي تعرف فسادا، مرورا بشروط العمل المهينة، ووصولا إلى أداء المدرس المتعاقد ونتائجه، تؤكد كل هذه العوامل، بأن الإقدام على خطوات مماثلة دون اعتبار مآلات هذا القرار لا تُعدّ إصلاحا جادا و نضيف على تلك العوامل و المآلات، ما يمكن أن يحدث من قلق وفقدان الثقة في المسؤولين وفي المؤسسات وإلى أشكال من الاضطراب والاحتراق النفسي .
وغالبا ما كان يعبر الأساتذة المتعاقدون في مثل تلك الدول النامية ،"بأنهم يفتقرون إلى الدعم المهني، وبأن أجرتهم الشهرية لا تكفي لتلبية حاجياتهم الأساسية "... ، بل إن معظمهم لا يتلقى أجرته الشهرية بشكل منتظم فيعيش حالة من القلق النفسي المستمر، والذي قد يتحول إلى اكتئاب ،الأمر الذي يحدو بالعديد منهم إلى مغادرة مهامهم بعد انتهاء مدة العقد وربما قبلها. وقد أكدت بعض تلك الدول نفسها عدم قدرتها على دفع أجرة الأساتذة المتعاقدين بشكل دوري ومنتظم ،مما يدفعهم إلى مشاعر القلق والاحباط والإفادة بأنهم يشعرون بأن "الدولة خذلتهم وتخلت عن واجباتها تجاههم…بعد أن وعدتهم بالاستقرار المادي والأمان الوظيفي وإتاحة فرص الترقي الاجتماعي لهم…"، وقد يدفع بهم عدم الوفاء بالوعود تجاههم إلى فقدان الثقة في مؤسستهم والانخراط في ممارسات مشينة كالتغيب المستمر، والتأخر المقصود عن الحصص الدراسية، والتراخي في أداء المهام، والبحث عن موارد رزق موازية (أنشطة إضافية خارج المؤسسة مؤدى عنها) لمهامهم التعليمية.
5-التجربة الجزائرية :
عرفت تجربة نظام التعاقد في التعليم في الجزائر ، بدورها العديد من المشاكل و الاضطرابات.. حيث خرج آلاف الأساتذة الذين وظفوا بهذا النظام في اضرابات واحتجاجات مستمرة للمطالبة بالتوظيف و الترسيم" دون قيد أو شرط". ( عن -CNN الجزائر 06 ابريل 2016).
علما بان وزارة التربية الوطنية الجزائرية ،سبق لها أن طمأنت المدرسين المتعاقدين والمستخلفين ، حيث حددت جملة من الشروط والحالات "الايجابية" لتوظيفهم ، من بينها العطلة المرضية لأكثر من سبعة أيام، عطلة الأمومة، مرض طويل الأمد يقل عن سنة ،يضاف إليه كسابقة أولى من نوعها عطلة مناسك الحج وتسخير الأعضاء في الانتخابات، إضافة إلى عطلة المترشحين في الانتخابات كعطلة انتقالية، خاصة أن هذه الأخيرة شكلت مشاكل كبيرة في تعويض الدروس عقب كل مناسبة انتخابية.
فضلا عن تحرير المناصب لأسباب التقاعد، التسريح، الاستقالة، الوفاة، العزل، الإحالة على الاستيداع، الانتداب، النقل خارج الولاية، الترقية في جميع الرتب ما عدا رتب التعليم والتعيين في الوظائف العليا ...
وتربط عقود الاستخلاف المدرسين بالمؤسسات التربوية في مختلف الاطوار، ويقارب عدد المستخلفين (العرضيون واساتذة سد الخصاص كما كانوا يسمون عندنا)، استنادا للوزارة ،ب 50 ألف أستاذ، وحسب شهادات للمدرسين الرافضين للتعاقد و المحتجين، جمعتها CNN  بالعربية، هناك من فاقت مدة تعاقده 16 سنة وما زال لم تسوى وضعيته. ووفقا للمعطيات التي أوردتها بعض المصادر، فإن المسابقة (المباراة) التي اجريت سنة 2015 ، تلقى  فيها الاساتذة المتعاقدون ضمانات من الوزارة المعنية بتثمين الخبرة، لكن تبين بعد النتائج،  أن اغلب الناجحين لا يحوزون الخبرة فيما تم اقصاء ذوي الخبرة  (انظر الرابط: . https://arabic.cnn.com/world/2016/04/06
وقد أصدرت الفيدرالية الوطنية لقطاع التربية المنضوية تحت لواء النقابة الوطنية المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية في الجزائر ، بياناً "ترفض فيه كل أشكال العمل الهش والتعاقدي في التعليم الذي كرسه القانون العام للوظيفة العمومية"، مطالبة "بالإدماج دون قيد أو شرط، وتسوية وضعيتهم المالية العالقة".
ويبدو أن هذه الوضعية المأزومة دفعت وزارة التربية الوطنية مؤخرا في الجزائر ، للتفكير في القضاء على العمل بالتعاقد في قطاعها بداية من سنة 2017، وذلك من خلال إدماج جميع الأساتذة المتعاقدين المصنفين في القوائم الاحتياطية، من خلال توظيفهم بالتعاقد على مرحلتين ثم إدماجهم بصفة رسمية.
مما يثبت مرة أخرى أن تجارب التوظيف بالتعاقد في مثل تلك الدول التي ذكرتها دراسة اليونسكو السابق وغيرها مما أوردناه نحن ، والتي كان غرضها الدفين ضمان دعم المؤسسات الدولية المادي لها،  بأنها سياسة فاشلة في معظمها،  و اتضح أن هدف هذه السياسة ليس "الانصاف والتعليم للجميع" ولا "القضاء على الاكتظاظ"، بل هو إجراء تقشفي يبرر غالبا "بالإكراهات والأعباء" المالية المرتفعة لقطاع التعليم على ميزانية الدولة ،وربما برغبتها التخلص من هذه الأعباء التي تشكلها القطاعات الاجتماعية العمومية وفي مقدمتها التعليم العمومي والصحة، وتفويتها للخواص(خصخصة القطاعات العمومية).
6-التجربة المغربية: خلفيات إرساء نظام التعاقد وتغييب التخطيط الاستراتيجي:
بدأ نظام التعاقد بشكله الجديد في التعليم ،منذ إصدار وزارة التربية الوطنية للمذكرة عدد 866-16 بتاريخ فاتح نونبر 2016، تباشر بموجبها الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين (12 أكاديمية )،عملية توظيف أساتذة التعليم العمومي بواسطة التعاقد.
لقد أجبر الخصاص الكبير في أطر التدريس بالمغرب واكتظاظ الأقسام والمدارس و قبل هذا وذاك ، غياب لدى وزارة التربية الوطنية ولدى الحكومة بشكل عام ،استراتيجية بعيدة المدى لتكوين المدرسين وتوظيفهم وتشتت مؤسسات التكوين وتوزعها بين التعليمين المدرسي و العالي واضطراب أنظمة اختيار واختبار وتوظيف المدرسين وأطر التربية والتعليم عموما، فضلا عن عوامل أخرى لا تقل اهمية وتتمثل في تجاهل النظرة الاستراتيجية و سياسات الارتجال والتخبط في "تدبير الشأن اليومي" لمشاكل التعليم و التي ميزت إجراءات وتدابير وزارات التربية الوطنية "الإصلاحية " لحد الآن ، وعدم الاستفادة من أبسط دروس التخطيط والتوقعات المستقبلية والاسقاطات الاحصائية والتي كانت يمكن أن تجنبنا أخطار المغادرة الطوعية و التقاعد والتقاعد النسبي للمدرسين وارتفاع معدل الولادات وعدم التحكم في الخريطة المدرسية و التحسن النسبي للفاعلية الداخلية للمنظومة والحد النسبي من الهدر المدرسي والانقطاع المبكر عن الدراسة ... أجبر كل ذلك فضلا عن ضغوطات البنوك والصناديق المانحة والقارضة،  وزارة التربية الوطنية في الحكومة السابقة و الحالية وربما بتوصية "سرية" من المجلس الأعلى للتعليم، على اللجوء  للتوظيف المباشر للمدرسين وفق نظام التعاقد. فبعد انتقاء أولي من بين حاملي الإجازة في مختلف التخصصات واجتياز مباراة التوظيف بالتعاقد، يتلقى الناجحون تكوينا نظريا على فترات بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين و تدريبا ميدانيا على يد المفتشين بالأقسام المسند إليهم تدريسها و هذا بشكل مؤقت وانتقالي لفوجي سنوات 2016 -2017 . لكن الوزارة المشرفة على القطاع أعادت التفكير بخصوص فوج 2018، بتكوينه قبليا لمدة 4 أشهر على الأقل ، في انتظار ارساء نظام أساسي قار وقوانين موحدة خاصة بهذه الفئة من المدرسين.
والحقيقة أن التفكير في نظام التعاقد ليس أمرا جديدا في منظومة التعليم ببلادنا، فقد كانت وزارة التربية الوطنية - قطاع التعليم المدرسي- قد أعلنت منذ  غشت 2009 عن تنظيم ، مباراة لتوظيف مجموعة من أساتذة التعليم الابتدائي، والثانوي الإعدادي والثانوي التأهيليوقد شكل الإعلان عن تلك المباراة، بداية شروع الوزارة في تنفيذ مخطط التوظيف بالتعاقد، تطبيقا لما ورد في الميثاق الوطني للتربية والتكوين بهذا الخصوص ،حيث شكل تبني الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1999 نظام التعاقد، تحولا نوعيا في مسألة توظيف المدرسين، فبالرجوع للميثاق نجد أن المادة 135 منه تنص على أنه: " يتم تنويع أوضاع المدرسين الجدد من الآن فصاعدا، بما في ذلك اللجوء للتعاقد على مدد زمنية تدريجية قابلة للتجديد على صعيد المؤسسات والأقاليم والجهات."( انظر نص مداخلة ذ. محمد العثماني "التشغيل بالتعاقد بقطاع التعليم :الخلفيات والمخاطر.." ، في ندوة حول التعاقد من تنظيم كدش زاكورة." 22 نوفمبر2016، نشر ب : https://www.almounadila.info/).

7-السياق وتنزيل نظام التوظيف بالتعاقد:
لعل أهم ما يميز سياق العمل والانتاج في الدول النامية بما فيها المغرب ، والذي يجعل من نظام التعاقد في التوظيف مستحيل التطبيق والنجاح ، دون أن يرافقه إصلاح شامل للاقتصاد وللإدارة والوظيفة العمومية وللنموذج التنموي وللمجتمع بشكل عام ، أولا وأساسا ، ودون الاستفادة من التجارب السابقة ومن مبادئ وأساسيات ونتائج الدراسات السيكلوجية (علم النفس المهني...) و السوسيلوجية والاقتصادية والادارية وعلوم الاحصاء والتوقع والتخطيط والمستقبليات ، ،نقول لعل ما يميز السياق ، الظواهر والعوامل التالية :
1.7. -الشطط في استعمال السلطة:
إن المثير للقلق النفسي والوجودي معا في أمر التعاقد ، هو أن الجهات الوصية على القطاع قررت وشرعت دون الاستشارة ودون إشراك المعنيين والمهتمين بشان التربية والتعليم و استفردت، بعيدا عن النقابات وتنسيقيات الأساتذة...، و بعيدا عن الأعين ، بصياغة العقود وملحقاتها، بحيث أن المترشحين وهم أهم طرف في العقد وعموم المعنيين، لا رأي لهم في ما سيربطهم بالمؤسسة الوصية وربما سيرهن حياتهم الباقية  ، بل يُمنحوا نسخة عنه ليوقعوا عليها و يلتزموا ببنودها مع حق المؤسسة في فصلهم والاستغناء عن خدماتهم دون التقيد بالضرورة بالمساطر المعمول بها على الصعيد العالمي في عالم الشغل والمهن ،الامر الذي نتج عنه حالة من القلق والخوف من المستقبل،  والخوف من عدم استفادتهم من  الشروط الدنيا للتحفظ على قرارات فسخ العقد، أو الحق في الطعن فيه أو المتابعة القضائية للجهات المسئولة.
ومن الأمثلة على استغلال مرؤوسي الأستاذ له، وعلى سُخط الأستاذ تورد دراسة اليونسكو السالفة (2005) حالات تشهد على العبث الذي وصل إليه التعليم في تلك الدول التي لجأت إلى التوظيف بنظام التعاقد: وتشمل هذه الممارسات، كما أسلفنا، استغلال بعض مدراء المؤسسات التعليمية لخوف الأساتذة المتعاقدين من فسخ العقد والفصل بإجبارهم على تنظيف مؤسسات التعليم، وتكليفهم بالحراسة الليلية للمؤسسات التعليمية، والعناية بأشغال البستنة داخل المدرسة وإجبارهم على أداء أوقاتهم خارج العمل في أداء مهام إدارية من اختصاص أطر تربوية أخرى.
وبالإضافة إلى الشطط في استعمال السلطة والتي تخلق سياقا غير ملائم تماما للعمل المنتج وللجودة في الأداء لدى الاساتذة الرسميين في الوظيفة العمومية أنفسهم فبالأحرى لدى المتعاقدين ، هناك ظواهر لا تقل خطورة ومنها الرشوة والمحسوبية وشراء المناصب، بحيث لاحظنا أن التجاوزات شملت في العديد من الدول التي طبقت نظام التعاقد، شراء المناصب وأشكالا أخرى من الزبونية والمحسوبية في "منح" الوظائف عوض التباري النزيه عليها، وهو "ما حدا بتلك الدول إلى التخلي التام عن برامج التعاقد، والعودة إلى التوظيف النظامي لرجال ونساء التعليم حسب الاستحقاق".
وعندنا ومنذ بداية تنزيل هذا النظام ،لاحظنا ما يؤكد تلك المخاوف، حيث كانت التصريحات المتناقضة بين المسؤولين أنفسهم بخصوص الحقوق والواجبات التي يضمنها نظام التعاقد وكان آخرها ، وتحت ضغط الاحتجاجات والاضرابات ...وأمام الصمت المقلق للمجلس الأعلى للتعليم، التصريح بإلغاء نظام التعاقد  جملة وتفصيلا ،بنوع من الارتجال المثير للشك والقلق والقول بأن المتعاقدين (حوالي 55 ألف) أصبحوا بقدرة قادر ، موظفين في الاكاديميات يرسمون بشكل تلقائي بمجرد نجاحهم في اختبار التأهيل المهني ، الأمر الذي لم يبعث بالضرورة عند فئات عريضة منهم  على الارتياح ،خاصة بعد الإشهار المسرحي لشواهد الترسيم، عفوا لشهادات النجاح في هذا الاختبار، على شاشات التلفزة .
وقبل ذلك كانت  بعض الاكاديميات قد سارعت في الاتجاه المعاكس ، فلجأت لبعض التدابير المقلقة والمثيرة للشكوك وذلك حتى قبل أن يجف الحبر الذي وقعت به العقود. ولنا على ذلك مثال حالات الفصل والطرد ، من مثل إقدام  الاكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة درعة تافيلالت، على فصل استاذ متعاقد يعمل بزاكورة
وفي تعليلها للقرار، قالت الاكاديمية إن الأستاذ "خرق بنود العقدة بقيامه بسوء معاملة التلاميذ والسب والشتم ورفضه المتكرر الإجابة عن استفسارات إدارة المؤسسة". وخلف هذا القرار استياء في صفوف العديد من المهتمين والأساتذة المتعاقدين الذين اعتبروا الهدف من القرار هو "تخويفهم وترهيبهم وجعلهم لا يعارضون أي قرار حتى لو كان ضد استقرارهم النفسي والمهني."
مثال آخر عن انعدام الشفافية وسلوكات الارتجال ،هو تردد الوزارة في الحوار مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية داخل قطاع التربية الوطنية، وعدم احترام أساسيات الحوار معها، وهي: النقابة الوطنية للتعليم (ك. د. ش)، الجامعة الوطنية لموظفي التعليم، الجامعة الحرة للتعليم، النقابة الوطنية للتعليم (ف. د .ش)الجامعة الوطنية للتعليم (ا.م.ش) والجامعة الوطنية للتعليم، والتي أصبح جميعها يرفض نظام التعاقد جملة وتفصيلا،  فضلا عن رفض الوزارة لحد الآن، التحاور مع "التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد " والتي نفت توصلها بأية دعوة رسمية للحوار من الوزارة الوصية"، وأكدت، " بأنها "غير ملزمة بأي مخرجات لم تكن طرفا فيها". واعتبرت التنسيقية، وفق بلاغ نشرته على صفحتها الرسمية بـ"فيسبوك" يوم السبت 9 مارس 2019، على خلفية ما راج على وسائل الإعلام العمومية من فتح باب الحوار والاستجابة لجل مطالب الأساتذة، أن الحكومة والوزارة الوصية على القطاع يواصلان "مسلسل الادعاءات الكاذبة حول تعاملهما مع مطالب التنسيقية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد وذلك لطمس الحقائق وتغليط الرأي العام."
مثال ثالث على سياسة الارتجال والتخبط هو القرار  النشز و العبثي الذي اتخذته الوزارة عندما صرحت  "بأنه تم إلغاء كلمة عقد وتعاقد" دون أدني إشارة لبديل جدي وإجراءات إدارية وقانونية مقبولة وما رافق ذلك القرار المتسرع من خروقات قانونية خطيرة في عقد المجالس الادارية للأكاديميات التي "اتخذت ذلك القرار"، و في زمن قياسي.
إننا نعتقد أن الهرولة بإشهار بعض الأكاديميات الجهوية لسلاح الفصل وفسخ العقد في الوقت الذي أشهرت فيه أكاديميات أخري شواهد النجاح و "الترسيم"، و سلوكيات الوزارة الموسومة بالتخبط والتناقض والتعنيف في التعامل مع الأزمة، كانت له تداعيات سلبية  على الأساتذة المتعاقدين الذين سكنتهم وستسكنهم هواجس وكوابيس مخيفة في الاستغناء عن خدماتهم في أية لحظة ، وسيتقوى لديهم الإحساس بانعدام الاستقرار النفسي والاجتماعي وسيفقدهم الثقة في المؤسسة، وهذا ما يبرر مطالبهم الملحة بالإدماج و الترسيم في الوظيفة العمومية.  
إن تجارب دول دخلت غمار التوظيف بالتعاقد والتي لم تستفد منها وزارة التربية الوطنية، أثبتت عجز التعاقد عن إنقاذ المدرسة العمومية، "بل زجت بها في مستنقع ممارسات مشينة هددت وتهدد المنظومات التعليمية في البلدان النامية المذكورة، بل تهدد اليوم الاستقرار السياسي فيها."


2.7.-التفاوتات الاجتماعية وانتشار ظواهر الفقر و البطالة:
لا يمكن أن ننكر كون التوظيف التعاقدي أسهم إلى حد ما في امتصاص جزئي للبطالة و خاصة في أوساط حاملي الشهادات الجامعية (إجازة، ماستر، دكتوراه ). كما أسهم في التخفيف من حدة الخصاص الذي تعاني منه المدرسة العمومية وربما التخفيف من ظواهر الاكتظاظ والاقسام المشتركة ...، لكن هذا النوع من التوظيف أثار ويثير الكثير من الجدل بل أصبح مطبا حقيقيا ، أمام وزارة التربية الوطنية والتي ستدفع غاليا فاتورة  كل ما راكمته من تجارب الفشل وعدم استفادتها من الدروس والتجارب، خاصة على مستوى طبيعة العلاقة التعاقدية غير المتوازنة بين طرف مشغل (الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين) يمتلك "سلطة فسخ العقد وإنهائه" وطرف ثاني هم  المدرسون المتعاقدون، والذين  ليس أمامهم سوى القبول والإذعان لشروط العقد المفروضة كما هي، هروبا من شظف العيش وإملاق الفقر والواقع المرير للبطالة وانسداد الأفق وهو ما يجعلهم يواجهون مصيرا مجهولا يشوبه الكثير من الغموض ومشاعر الخوف والقلق وفقدان الثقة.
إن السياق الذي يطبق فيه التعاقد ، سياق يفرض على خريجي الجامعات والكليات خاصة ذات نظام الاستقطاب المفتوح ، مثل كليات الآداب والعلوم والحقوق، واللذين يعانون من وضعية الهشاشة والفقر والبطالة، الموافقة و يجعلهم مضطرين للتوقيع على عقود إذعان (مكره أخاك لا بطل ) لان كل الابواب مغلقة أمامهم وربما بعد طول انتظار وسنوات من البحث المضنى عن العمل والإحباط.
 وكما هو معلوم، يعمق التفاوت الاجتماعي ، التوزيع غير العادل للثروة و اغتناء فئة قليلة على حساب إفقار شرائح واسعة وإلحاق الطبقة المتوسطة بالفقراء وإغراق البلاد في المديونية ورهن توجهاتها بإملاءات المؤسسات الدولية المقرضة، كنتيجة منطقية للفساد الذي ينخر الادارة والاقتصاد وسيادة اقتصاد الريع والامتيازات، وتباطؤ محاكمة الفاسدين وناهبي المال العام(مثال الاختلالات التي رافقت وضع وتطبيق البرنامج الاستعجالي).. وما ينتج عن كل ذلك من غياب تكافؤ الفرص بين مختلف الفئات الاجتماعية، وضعف الثقة وربما انعدامها في المؤسسات
وبالنسبة لإحصائيات الفقر في المغرب، فقد أكد تقرير حديث لـ"الأمم المتّحدة"، أن 60% يعيشون حالة الفقر، وأن المغرب يعد من أكثر دول منطقة "مينا" فقرا، في أرقام بدت بعيدة عما يصرح به المسؤولون في المغرب عن تحسن الأوضاع ومحاربة الفقر في البلاد.
وكشف نفس التقرير أن أكثر من 5 ملايين مغربي يعيشون بأقل من 550 درهمًا في الشهر، ومليوني مغربي يعيشون بأقل من 300 درهمًا في الشهر، مشيرًا إلى أن 12.6% من المغربيين قريبون من عتبة الفقر متعدد الجوانب، مقابل 4.9% يعيشون فقرًا حادًا متعدد الأبعاد كغياب أدنى شروط العيش الكريم.
وأفاد تقرير آخر صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بتأخر المغرب في محاربة الفقر والهشاشة، مؤكّدًا أن 44.3% ، لازالوا محرومين من حقوقهم الأساسية من سكن وصحة وتعليم، ووضع التقرير المغرب في خانة الدول التي ترتفع فيها معدلات الفقر ضمن بلدان أخرى من القارة الأفريقية، إلى جانب كل من دول زيمبابوي ومالي والصومال والغابون، وهو ما جعل المغرب يحتل المرتبة 126 في مؤشر التنمية البشرية.(للمزيد انظر الرابط www.almaghribtoday.net/314/235124
بالنسبة للبطالة وعدد المعطلين ، تذكر المندوبية السامية للتخطيط في مذكرة خاصة بمعدلات السكان النشيطين المشتغلين خلال السنة الماضية (2018) أن عدد العاطلين عن العمل في المغرب بلغ سنة 2018، من مليون و168 ألف شخص، حسب ما أوردته المذكرة .
وأن معدل البطالة يرتفع كلما زاد المستوى التعليمي، وترتفع النسبة بين حاملي الشهادات وتصبح 17.2 في المائة، أما حاملو الشهادات المتوسطة فيشكلون نسبة 14 في المائة ممن هم بلا وظائف، ثم تقفز النسبة لتصبح 23 في المائة بالنسبة لفئة حاملي الشهادات العليا. خصوصا حاملي شهادات التعليم العالي الممنوحة من طرف الكليات، والبالغون نسبة 25.9 في المائة، فيما يبلغ حاملو شهادات التخصص المهني 24.2 في المائة، ونسبة 23 في المائة بالنسبة لأصحاب شهادات التقنيين والأطر المتوسطة، فيما تمثل النسبة 21.4 في المائة من حاملي شهادات التأهيل المهني.
ولا تتوقف المعطيات الصادمة عند هذا الحد ، بل إن حوالي ثلثي العاطلين عن العمل ، بصدد البحث عن وظيفة منذ سنة على الأقل، ومنهم من تزيد مدة بحثه عن السنة الواحدة، وتبقى نسبة 71.1 في المائة من هؤلاء يبلغون في أعمارهم بين 15 و34 ، وهي النسبة التي ترتفع في أوساط هذه الفئة كلما ارتفع المستوى التعليمي.
لا نحتاج أمام هذه المعطيات أن نقدم الكثير من المبررات لفهم الوضعية النفسية التي تصاحب هذه الظروف الصعبة ووضعية التذمر التي قد تصل إلى حد الاكتئاب والاضطرابات النفسية لدى فئات واسعة من الشباب المغربي.
كما لا نحتاج إلى الكثير من المبررات والكثير من الدروس من علماء النفس وعلماء الاجتماع ... لبيان كيف أن الالتحاق بالوظيف (بالتعاقد او بدونه)، يعد حالة من الفرج أقرب إلى الحلم منها إلى الحقيقة ، والتي عادة ما يطول انتظارها .
إننا نعتقد أن هذه الوضعية المقلقة تفرض على المسؤولين عموما  والساهرين على الشأن التربوي بوجه خاص، ليس إعادة النظر في بنود "العقد" المبرم مع الأساتذة من أجل تصويبه وتجويده، أو القول النشز و العبثي  "بأنه تم إلغاء كلمة عقد وتعاقد" دون أدني إشارة لبديل جدي وإجراء إداري وقانوني مقبول وما رافق ذلك القرار المتسرع من خروقات في عقد المجالس الادارية للأكاديميات التي "اتخذته" ، ليس فقط تقديرا وتكريما لهؤلاء المدرسين ومن كان من قبلهم ولمن سيأتي بعدهم  ،  ومدهم بشروط الثقة والاستقرار وإحاطتهم بما يكفي من الضمانات القانونية الكفيلة بحماية حقوقهم المشروعة والتي لا يمكن أن تتوفر دون تطوير السياق الاجتماعي برمته وتحسين ظروف العمل وإعادة النظر في قوانين الوظيفة العمومية ،مركزيا وجهويا ، وخلق التوازن الحقيقي في إطار الجهوية الموسعة ، ما بين المركز والجهات، "والبدء بتنظيف الدار "وترسيخ ثقافة اللامركزية و اللا تمركز  وغيرها من الإصلاحات ... ليس لأجل تطوير النظام الاساسي للمدرسين فقط ، بل لتحديث الوظيفة العمومية في شموليتها وجعلها تساير المستجدات وتلائم الجهوية الموسعة الحقيقية والمنشودة ،حماية للمدرسة المغربية العمومية من الهاوية وحماية بالتالي المجتمع برمته. 
3.7- تكرار تجارب الفشل وعدم الاستفادة من الدروس: 
يبدو أن وزارة التربية الوطنية والحكومة بشكل عام ،لا تراكم التجارب ولا تستفيد من الدروس السابقة ،ولنا كمثال على ذلك وضعية العديد من الحالات التي عانت وما زال بعضها يعاني من تجارب الفشل من مثل وضعية 10 ألف إطار (المتدربون أساتذة الغد) وقبلهم وضعية العرضيين ووضعية أساتذة سد الخصاص ومدرسي التربية غير النظامية ومحو الأمية،...وغيرها من الوضعيات العالقة والتي عمرت طويلا مثل وضعية أساتذة الزنزانة 9، ووضعية ضحايا النظامين الأساسيين 2003-1985، والمساعدين الاداريين و التقنيين، وحاملي الشهادات العليا (الاجازة والماستر و الدكتوراه ) ، وخريجي مسلك الإدارة التربوية، وأطر الإدارة التربوية، و المقصيين من خارج السلم، وباقي الأطر المشتركة بالقطاع(المتصرفين، المهندسين، التقنيين، المحررين، الأطباء…)، والمفتشين، ملحقي الإدارة والاقتصاد والملحقين التربويين، العرضيين سابقا، وأطر التوجيه والتخطيط، الممونين ومسيري المصالح المادية والمالية، الأساتذة العاملين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، الأساتذة المرسبين و العاملين بالمديريات والأكاديميات ...
وإذا توقفنا قليلا عند وضعية أساتذة سد الخصاص والتربية غير النظامية ومحاربة الامية على سبيل المثال ، والذين احتجوا منذ سنوات طوال وناضلوا بأشكال مختلفة ، للمطالبة بالإدماج في الوظيفة العمومية عقب عمل مع الدولة لسنوات. والذين كانت وزارة التربية الوطنية ترفض ودون مبرر مقبول، تسوية وضعيتهم رغم مستواهم العلمي والأكاديمي الجيد والخبرة الهامة التي راكموها من عملهم الفعلي في قطاع التربية والتعليم. علما أﻥ افراد ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺌﺔ اشتغلوا ، ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ وفي أقسام من ﺗﻼﻣﻴﺬ ﻓﻲ وﺿﻌﻴﺔ ﻋﺎﺩﻳﺔ أو في برامج محو الأمية والتربية غير النظامية ،منذ ﺴﻨﻮﺍﺕ عديدة، ﻭﻓﻖ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻈﻢ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ، ﺍﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ المدرسين ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﻴﻦ ،ﺣﻴﺚ خضعوا أيضا، فضلا عن مهام التدريس، ﻟﺰﻳﺎﺭﺓ ﺍﻟﻤﻔﺘﺸﻴﻦ ﻭ ﺗﻮﻗﻴﻊ ﺍﻟﻤﺬﻛﺮﺍﺕ ﺍﻟﻮﺯﺍﺭﻳﺔ، ﻭ شاركوا ﻓﻲ ﺍﻻﻣﺘﺤﺎﻧﺎﺕ ﺍﻻﺷﻬﺎﺩﻳﺔ ﻭ ﺗﺼﺤﻴﺤﻬﺎ وما إلى ذلك من مهام تربوية وإدارية.
أساتذة سد الخصاص "فيلق الاحتياط في التعليم" ، عاشوا وقتها ويعيش من تبقى منهم اليوم وضعية اجتماعية صعبة لا هم رسميون و لا هم تابعون للقطاع الخاص، تنظر إليهم الدولة كمياومين لا غير. .
الأمر الذي جعل هذه الفئة توحد صفوفها و تقود العديد من الأشكال النضالية باسم  "التنسيقية الوطنية لأساتذة سد الخصاص و منشطي التربية الغير النظامية" و " التكتل الوطني لأساتذة سد الخصاص"، مطلبها واحد ووحيد هو التسوية المالية و القانونية و الإدارية لملفهم العادل و المشروع.
لقد ساهم هؤلاء  بشكل كبير في الحد من ظاهرة الهدر المدرسي وضحوا بالغالي و النفيس من اجل تأدية رسالة المدرس التربوية النبيلة و إنقاذ أبناء الوسط القروي  من شبح الضياع  و التهميش  ،كل ذلك في ظروف قاسية تنعدم فيها  متطلبات الحياة الضرورية من ماء و كهرباء و سكن  وصحة ووسائل النقل والاتصال،  فعانوا من هدر للحقوق بدون ترسيم و باجر هزيل . لقد راكمت هذه الفئة  بالرغم من كل ذلك ، تجارب مهمة في التدريس لسنوات اقلها 5 سنوات و عوض الحوار والإنصات  إليهم وتحقيق مطالبهم المشروعة ،غلبت  الوزارة وقتها ، منطق صم الآذان و القول بأنهم لا صلة لهم بوزارة التربية الوطنية و أنهم فقط يزاولون ساعات إضافية و من ثم  إبعادهم عن مطلبهم  في التسوية و في الترسيم في منظومة التعليم .ألن يؤثر معرفة تجارب الفشل هذه والخوف من تكرارها، في المدرسين  اللذين أذعنوا للتعاقد مكرهين ؟
8-خاتمة ومقترحات : لا أحد يجادل في كون الاستقرار والأمن الوظيفي والاجتماعي، تعود فوائده على العاملين من مدرسين وإداريين و تقنيين ، ولكن أيضا على المؤسسة والمنظومة ككل والمتعلمين بالأساس وبالدرجة الأولى ، فهو عامل نجاح جوهري في أية منظومة لأنه يخلق مشاعر الانتماء لدى المدرسين تجاه مؤسستهم مما يدفعهم إلى الإبداع والتطوير وبذل قصارى جهدهم في تحقيق الأهداف بضمير حي ويقظ ، مما يحقق نجاحها وتطورها . الاستقرار الوظيفي يساعد على نشر ثقافة العمل بروح الفريق الواحد لأن الهدف مشترك لدى الجميع كذلك يساهم بشكل كبير في الاحتفاظ بالكفاءات والخبرات المميزة لأن هجرة هذه الكفاءات خارج المؤسسة وربما خارج الوطن، تكبدها كثيرا من الهدر في الجهد والتكلفة المادية.
إن الاستقرار الوظيفي الذي ندعوا إلى توفيره واحترامه ،والمتمثل في الإحساس بالرضا والأمن الوظيفي والذي يدفع المدرس إلى البقاء والاستمرار في العمل بجد ومسؤولية  لابد أن تسبقه وترافقه ، العديد من العوامل والإجراءات التي تتخذها الوزارة والحكومة بهدف الاحتفاظ بالعاملين بها والذين هم السبب الجوهري في تحقيق أهدافها ومن أهم هذه العوامل والتدابير :
- إعادة النظر في برامج ومؤسسات تكوين المدرسين وتوظيفهم وفق خطط و استراتيجيات بعيدة المدى؛
- خطط تروم التكوين الاساسي الجيد والحصول على التدريب المستمر والارتقاء المهني وفق منهجية موحدة على الصعيد الوطني وتجنب خلق تفاوتات بين المدرسين ؛
- تأهيل البنية التحتية للمؤسسات التعليمية و بيئة عمل مناسبة ومحفّزة توفر الشروط الضرورية للعمل و الإبداع    ( في التنظيمات والتشريعات والزمن المدرسي والمناهج والبنايات والمرافق والتجهيزات وأدوات العمل والرقمنة ...)؛
 - التعويض المادي المناسب على غرار الدول المتقدمة ، التي تحترم المدرسين وتصون كرامتهم ؛
- توفير الدعم المالي الكافي لمشاريع المؤسسات التعليمية . 
- توفير بيئة تشيع فيها القيم الاخلاقية المثلى وقيم تكامل الشخصية وقيم المواطنة والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص والديموقراطية والاخلاص في العمل و التعاون والتسامح ،والتضحية ، وحرية الرأي واحترام الرأي الآخر...؛
- القضاء على كل ما يهدد المدرسين من داخل المؤسسة أو خارجها و ينشر الإحساس لديهم باحتمال فقدانهم لوظيفتهم في أي وقت، والدفاع عنهم بحزم كلما تعرضوا لأي اعتداء.
- تفعيل دور شركاء المنظومة التربوية والانخراط الإيجابي والفعال لهيئات المجتمع المدني ؛ 
- إدراج الأنشطة الفنية والرياضية والترفيهية وتفعيل الأندية والحياة المدرسية ،في البرامج وفي جداول وحصص الأساتذة و التفعيل الأمثل لمجالس المؤسسات التعليمية واستثمار  تقاريرها؛
- مد جسور التواصل والتعاون بين الأسرة والمدرسة،
و قيام جمعيات أولياء التلاميذ بالأدوار والمسؤوليات المنوطة بها ؛ 
-الحرص على المواكبة المستمرة والمنتظمة للإعلام السمعي والبصري والمكتوب والمواقع الإلكترونية ؛ 
- وقبل هذا وذاك، ربط المسؤولية بالمحاسبة و توفير الشروط الضرورية لتطوير سياق اجتماعي سليم وآمن ،  وتحسين ظروف العيش الكريم لكافة أفراد المجتمع؛
- إلغاء نظام التعاقد وإصلاح شامل للاقتصاد وللنموذج التنموي وللإدارة والوظيفة العمومية وجعلها أكثر مرونة وأكثر قربا من الجهات والجهوية الموسعة.

والله ولي التوفيق
الرباط ، 17 مارس 2019





































 

















0 commentaires:

Enregistrer un commentaire